أخبار العالمسياسةمجتمع

عبد الكريم فوزي الخبير في الشأن الليبي في حوار: انتصارات حكومة الوفاق سَتُنهي دور حفتر.. والليبيون يدركون دور المغرب من أجل استقرار وأمن بلدهم

حوار: 

يرى عبد الكريم فوزي، الخبير الإستراتيجي في الشأن الليبي، أن الهزائم المتتالية لقوات خليفة حفتر وخسارتها المذلة في معركة السيطرة على طرابس وقرب تحرير مدينة سرت الإستراتيجية، أحدثت واقعاً جديداً لصالح حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.
ويوضح الخبير فوزي في هذا الحوار أن الدور المغربي ما زال حاضراً في ليبيا من خلال ثقة جميع الأطراف في جدية وسمعة المملكة، وشعورهم بأن ما يقوم به المغرب ليس نابعاً من أطماع أو مصالح شخصية أو حسابات ضيقة، وإنما من علاقات تاريخية وأخوية عميقة تربط بين الشعبين الشقيقين.
كما تطرق هذا الحوار إلى الأدوار التخريبية التي تلعبها بعض الدول العربية وقوى دولية بما يزيد في تغذية تعقيدات المشهد الليبي، ومآلات الحل السياسي في بلد يتوق إلى بناء دولة مدنية تبعد شبح عودة الدولة الدكتاتورية على شاكلة نظام القذافي الذي كان يسير ليبيا بمنطق المزرعة.
وفي ما يلي نص الحوار:

– س: تشهد الساحة الليبية المشتعلة خلال الفترة الحالية تحولاً عسكرياً إستراتيجياً يتجلى في تمكن قوات حكومة فايز السراج الشرعية، المعترف بها دوليا، من إلحاق هزائم مذلة بقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم أساساً من الإمارات ودول عربية وغربية معروفة. ما هي دلالات هذا التحول العسكري الميداني؟

– ج: الملف الليبي، بتعقيداته المحلية والإقليمية والدولية، يتطور بسرعة متنامية وبقوة ملموسة لصالح حكومة الوفاق الوطني الشرعية، وهذا أمر ظاهر لكل متابع موضوعي. وأما عوامل الإنتصار فكثيرة، أولها الضعف الواضح الذي يعتري المشروع الإنقلابي لخليفة حفتر وما يحمله داخله من عوامل الإنهيار وإن ظهر أنه قوي. والعامل الثاني يتجلى في تطور الأداء العسكري الميداني لقوات حكومة الوفاق، وهو تطور لافت مقارنة بالسنوات السابقة أو على الأقل منذ بدء حفتر هجومه المتعثر على طرابلس في أبريل 2019. أما العامل الثالث، فيبرز في الدعم التركي العسكري والسياسي لحكومة فايز السراج بمقتضى إتفاق ثنائي قانوني بين أنقرة والسلطة الشرعية في طرابلس.
هذه الإنتصارات المهمة في منحى الحسم النهائي مع مشروع الإنقلاب بأهدافه الخبيثة المعلنة، بطبيعة الحال، ستصمد وستستمر في المرحلة المقبلة، والمشروع الإنقلابي لحفتر على وشك الإنهيار التام خاصة بعد الخلافات الكبيرة بينه وبين عقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق (شرق ليبيا)، وهو المشروع الذي يحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جاهداً تداركه وإصلاحه لأسباب يعرفها الجميع، لكن بدون جدوى حتى يومنا هذا. الآن مدينة سرت الإستراتيجية سَتُحَرَّرُ كما تحررت ترهونة وبعدها الجفرة ثم الموانئ النفطية… في انتظار بسط السيادة على كامل تراب الوطن.
الحقيقة أن الليبيين هم الذين نجحوا في إنقاذ حكومتهم التي تحظى باعتراف الأمم المتحدة، والقوات التركية كانت عاملاً داعماً وقوياً. إن أكبر دور قامت به تركيا ليس هو دعم الليبيين بالسلاح المتطور فقط، بل هو تذويب بعض الخلافات التي كانت موجودة في صفوف قوات الوفاق، والتي اختل معها ترتيب أولويات المعركة بين تحرير صبراتة أم ترهونة أم سرت، وهي الخلافات التي كانت عائقاً كبيراً أمام عملية الحسم العسكري. ثم كان للطيران التركي وللدفاعات الجوية الدور المهم في حماية العاصمة طرابلس من السقوط بسبب سيطرة طيران الإمارات وفرنسا على الأجواء. الآن الوضع مختلف تماماً عن الفترة السابقة، وطرابلس هي رمز الشرعية الليبية.

عبد الكريم فوزي رفقة جمعة القماطي، المبعوث الشخصي الخاص لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إلى دول المغرب العربي

 

– س: بعد الحسم العسكري الكبير لمعركة طرابلس، نشهد زيارات مكوكية وتحركات سياسية إقليمية ودولية على نطاق واسع، برأيكم ما الذي يدور في الكواليس؟ وما هو هدف حكومة فايز السراج في المرحلة القادمة؟

– ج: حكومة السراج، ورغم تحقيقها لهذه الإنتصارات الواضحة باعتراف خصومها الذين طرحوا بطريقة مرتبكة ومستعجلة “مبادرة لوقف إطلاق النار” عبر عبد الفتاح السيسي لتجنب انهيار كامل لقوات حفتر، إلا انها مازالت تسعى جاهدة لإيجاد توافقات ليبية/ليبية تقلل من خسائر الحرب وتداعياتها في الأمدين المتوسط والبعيد. ومن المتوقع بعد تحرير سرت والجفرة والجنوب، أن نشهد بدء جولات من المفاوضات، لكن قد يُبعد حفتر عن طاولة المفاوضات ليتصدرها عقيلة صالح أو غيره.

– س: ما هو مستقبل الموقف الروسي؟ هل تتفق مع من يقول إن “مصالح روسيا، في زمن رئيسها القوي فيلاديمير بوتين، تتجاوز وضع كل بيضها في سلة واحدة”، على ماذا يؤشر ذلك في رأيكم؟

– ج: روسيا لها حساباتها الإستراتيجية الدقيقة. وبغض النظر عن تأييدها لحفتر، فإنها تنطلق من نقطتين أساسيتين: في النقطة الأولى يمكن القول إن موسكو لا تثق في شخص حفتر، فهي تعلم أنه يحمل الجنسية الأمريكية، أي أن له ولاء مؤكد ل”بلاده” أمريكا. ولذلك، كان الدعم الروسي غير رسمي أي أنه تم عن طريق جنود مرتزقة تابعين ل”فاغنر” وهي أشهر شركة أمنية روسية تماثل نظيرتها “بلاك ووتر” الأميركية.
وقد تم تقديم هذا الدعم الروسي خصيصاً لقوات من أتباع نظام معمر القذافي، تقاتل مع خليفة حفتر. لماذا؟ لأن هذه القوات تربطها علاقة وطيدة ومباشرة مع موسكو، منذ عهد الإتحاد السوفياتي، وذلك من خلال ضباط عسكريين تكونوا وتدربوا في الأكاديميات والمعاهد العسكرية العليا الروسية. وعلينا أن لا ننسى أن المشروع الروسي في ليبيا يعتمد في جزء معين منه على علاقة موسكو بأتباع نظام القذافي. بخصوص النقطة الثانية، نعتقد أن روسيا لا تعتبر ليبيا من مناطق نفوذها كسوريا مثلاً، وإنما تتواجد هناك كمحاولة لكسب أوراق تُفَاوِضُ بها كلاً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والولايات المتحدة الأمريكية في مناطق نفوذ في دول أخرى كسوريا وغيرها…

عبد الكريم فوزي في ندوة مع الدكتور علي الصلابي ووليد اللافي مدير إذاعة “فبراير” الليبية

 

– س: هل لكم، وأنتم الخبير بالأوضاع في ليبيا، أن تكشفوا لنا عن أهمية الدور المغربي في الملف الليبي، رغم كل محاولات البعض إقصاء الرباط من هذا الملف الإستراتيجي في شمال إفريقيا وفي العالم العربي وفي حوض البحر الأبيض المتوسط بشماله وجنوبه؟

– ج: هذا سؤال مهم. بحكم معرفتي بتفاصيل المشهد الليبي، يمكنني القول إن كل الليبيين يدركون جيداً الدور المحوري للمملكة المغربية من أجل استقرار وأمن ليبيا؛ شعباً وسيادة وطنية ووحدة ترابية، والجميع يعلم أن الشرعية الموجودة في ليبيا الآن كان منبعها التربة المغربية من خلال إتفاق الصخيرات التاريخي الذي تم التوقيع عليه في 17 دجنبر 2015. وبشهادة المجتمع الدولي وحتى جامعة الدول العربية من خلال موقفها الأخير المستند إلى التطورات العسكرية الأخيرة المتسمة بهزائم قوات حفتر وخسارتها الكبيرة في معركة طرابلس، فإن إتفاق الصخيرات يشكل النقطة الوحيدة المضيئة في الصراع الليبي، لأنه الإتفاق الوحيد الذي هندس “خارطة طريق” واضحة للتوصل إلى مخرج سياسي سلمي للأزمة. يجب أن لا ننسى أن إتفاق الصخيرات نص صراحةً على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية وهيئة تشريعية. إن جميع محاولات اللقاءات والحوارات، قبل وبعد إتفاق الصخيرات، كان مآلها الفشل الذريع سواء في جنيف أو باليرمو أو غيرها.
وفي كل الأحوال، ما زال الدور المغربي حاضراً في ليبيا من خلال ثقة جميع الأطراف في جدية وسمعة المملكة، وشعورهم بأن ما يقوم به المغرب ليس نابعاً من أطماع أو مصالح شخصية أو حسابات ضيقة، وإنما من علاقات تاريخية وأخوية عميقة تربط بين الشعبين الشقيقين. وأتوقع أنه لو أراد المغرب إعادة تفعيل أي حوارات بين الأطراف الليبية في المرحلة القادمة، فإنه سيحقق في هذا الإطار نجاحاً أكيداً.
وأما المحاولات العديدة لإقصاء المغرب، فهذا أمر معتاد في عالم السياسة. ولكن هذه المحاولات الإقصائية لم تنجح سابقاً ولن تنجح مستقبلاً.

– س: ما هو مصير خليفة حفتر، والحلف الداعم له وفي مقدمته الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا؟

– ج: بالنسبة لشخص حفتر، فأعتقد أن دوره انتهى أو قارب على الإنتهاء، وذلك بعد فشله الذريع وهزائمه المتلاحقة خاصة وأن الدعم الذي قُدِّمَ له من الدول الحليفة له ربما لم يُقَدَّم إلى أي جنرال على مدى التاريخ، لكنه خسر الرهان بفضل صلابة ووعي الليبيين الذين لم تعد تنطلي عليهم الدعوات الكاذبة والشعارات المزيفة من المحور المضاد لرغبتهم في تأسيس دولتهم المدنية المستقرة التي طال انتظارها.
وأما مصير الدول الداعمة له سواء مصر أو الإمارات أو روسيا، فهو مصير متباين. روسيا مثلاً يمكن أن تنسحب تماماً من الملف الليبي خاصة وأن حلفائها الذين تثق بهم، وهم أتباع نظام القذافي، من المحتمل جداً أن يدخلوا في حوارات مع حكومة الوفاق الوطني الشرعية تنتهي بتخليهم عن حفتر خاصة بعد اكتشافهم للخيانات والخذلان الذي مارسه عليهم في ترهونة وبني وليد ومناطق قصر بن غشير، وروسيا قد تكتفي بالحصول على وعود إستثمارية أو صفقات إقتصادية مهمة من حكومة الوفاق.
بالنسبة لمصر والإمارات، فمن السابق لأوانه أن نتحدث عن تخليهما عن مشروعهما الإنقلابي وإفسادهما للحياة السياسية بليبيا، حتى لو قامتا بالتخلي عن شخص حفتر الذي لم يحقق لهما أياً من الأهداف المسطرة للسيطرة على الليبيين. لذلك، فمتوقع أن تحاولا إدخال عقيلة صالح في مفاوضات سياسية تكسبان بها بعض الوقت ريثما تجهزان شخصاً آخر يخلف حفتر المهزوم عسكرياً وسياسياً، لتعيدا إشعال حرب جديدة بوسائل أخرى مختلفة.
إن ما يهم مصر والإمارات هو إنجاز مشروع سيطرة الإنقلابيين الحلفاء لهما على ليبيا وتونس وغيرها من الدول في المنطقة. ولكن، إذا فشلتا في ذلك كما هو الحال في ليبيا، فإن خطتهما البديلة هي استمرار الحرب في ليبيا وعدم خروجهما من النفق، وأسوأ سيناريو بالنسبة لمصر والإمارات هو أن تنعم ليبيا بالإستقرار أو التوافق على أقل تقدير. لكن جميع الدلائل تشير إلى أن ليبيا تسير بخطوات ثابتة وقوية نحو الإستقرار والسلام والأمن، ولعل الأيام القادمة ستشهد تغيرات جوهرية في هذا البلد سواء على المستوى الميداني أو السياسي أو التوافقي. والأيام بيننا كما يقال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى