من صحة الفم إلى صحة الجسد: روابط خفية قد تغير حياتنا

في لقاء إذاعي خلال برنامج صباحي، تطرقت الدكتورة سلمى التاقي طبيبة الأسنان والجراحة، عن الترابط الوثيق بين صحة الفم وصحة الجسم، وكيف أن إهمال العناية بالأسنان لا يقتصر أثره على المظهر الجمالي بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان العامة.
تؤكد الدكتورة التاقي أن الفم هو البوابة الرئيسية لصحة الجسد، وأي خلل فيه قد يكون بداية لسلسلة من المشاكل الصحية، فالإهمال في تنظيف الأسنان ومعالجة أمراض اللثة يؤدي إلى تراكم الجير، وانتشار الالتهابات، وظهور أمراض تعفنية قد تجد طريقها بسهولة إلى أعضاء أخرى، وتشير الأبحاث الطبية إلى أن البكتيريا المسببة لالتهاب اللثة قادرة على الانتقال عبر مجرى الدم، مما يجعلها عاملا مساعدا في الإصابة بأمراض القلب، واضطرابات الجهاز الهضمي، بل وحتى بعض أمراض المفاصل.
وعن العلاقة بين أمراض اللثة وأمراض القلب أو السكري، توضح الدكتورة التاقي أن الأمر ليس مجرد ملاحظة عابرة أو كلام شائع، بل حقيقة علمية مثبتة، فالتهابات الفم المزمنة يمكن أن ترفع من نسب الالتهاب العام في الجسم، الأمر الذي يضعف الشرايين ويزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب، أما بالنسبة لمرضى السكري، فإن ضعف السيطرة على مستويات السكر في الدم يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض اللثة، وفي المقابل فإن التهابات اللثة يمكن أن تزيد من صعوبة التحكم في مرض السكري، في علاقة متبادلة أشبه بدائرة مغلقة.
كما لفتت الانتباه إلى أن رائحة الفم الكريهة ليست دائما مشكلة موضعية في الأسنان أو اللثة، وإن كانت هذه الأخيرة السبب الأكثر شيوعا، فقد تكون الرائحة مؤشرا على مشاكل أعمق، مثل اضطرابات المعدة، أو أمراض الكبد، أو التهابات مزمنة في اللوزتين لذلك فإن علاج المشكلة يتطلب معرفة السبب الحقيقي وليس الاكتفاء بإخفاء الرائحة مؤقتا.
وتوقفت الدكتورة الفقي عند ظاهرة لجوء بعض الأشخاص إلى “صانع الأسنان” أو المراكز غير المؤهلة، مشيرة إلى أن الأسباب غالبا ما تتراوح بين انخفاض التكلفة وسهولة الوصول، إلى جانب غياب الوعي بالمخاطر الصحية، وأوضحت أن هذه الممارسات تمثل تهديدا حقيقيا للصحة العامة، لأن هؤلاء الأشخاص لا يمتلكون أي تكوين طبي أو معرفة علمية تؤهلهم للتشخيص أو العلاج، كما أن غياب التعقيم وعدم الالتزام بالمعايير الطبية يفتح الباب واسعا أمام انتقال أمراض معدية خطيرة مثل التهاب الكبد الفيروسي أو فقدان المناعة المكتسب، إضافة إلى التهابات بكتيرية وفطرية وتشوهات في الإطباق قد يصعب تصحيحها لاحقا.
وانطلاقا من هذه التحذيرات تؤكد الدكتورة التاقي أن الحفاظ على صحة الفم ليس رفاهية، بل ضرورة أساسية للوقاية من الأمراض وحماية جودة الحياة وتشدد على أن الإجراءات الوقائية بسيطة لكنها تحتاج إلى الاستمرارية:
• تنظيف الأسنان مرتين يوميا بالفرشاة والمعجون المناسب.
• استخدام الخيط أو الوسائل المكملة لإزالة بقايا الطعام بين الأسنان.
• مراجعة طبيب الأسنان بانتظام، حتى في غياب الألم، للكشف المبكر عن أي مشاكل.
• تجنب الانسياق وراء الوصفات العشوائية أو المواد غير المضمونة، التي قد تسبب أضرارا دائمة للأسنان واللثة.
• تبني نظام غذائي متوازن، وتقليل استهلاك السكريات والمشروبات الغازية التي تسرع من تسوس الأسنان.
واختتمت رسالتها بالتأكيد على أن الاستثمار في صحة الفم هو استثمار في صحة الجسد كله، وأن الوقاية اليوم قد تجنبنا تكاليف ومضاعفات صحية أكبر بكثير في المستقبل.
خديجة ايت اكرما (صحفية متدربة)