
الديمقراطية ليست مجرّد القدرة على رفع الشعارات أو كتابة التقارير، بل هي قدرة المؤسسات الحزبية على الاستمرار من دون الالتصاق بالأشخاص.
فعندما يصبح الحزب مرادفًا لاسم زعيم بعينه، وصفة محددة، وشخص لا يغادر موقعه، نكون أمام حالة احتلال رمزي للمؤسسة.
وحين تُختزل التجربة النضالية في فرد واحد، يموت التنظيم وتُدفن معه روح الجماعة، وتتحول الفكرة إلى ملكية خاصة تُدار كما تُدار المقاولات العائلية.
التناوب، في جوهره، ليس استهدافًا للزعماء، بل هو تجديد للحياة السياسية، وضمانة لاستمرارية الفكرة لا لاستمرار الشخص. فكل حزبٍ لا يتجدد قيادياً، إنما يوقّع بيده شهادة وفاته المعنوية.
لقد دعا جلالة الملك محمد السادس، في أكثر من خطاب سامٍ، إلى تجديد النخب السياسية وربط المسؤولية بالمحاسبة والانفتاح على الكفاءات الشابة.
ومع ذلك، ما زال بعض الزعماء الحزبيين يتصرفون بعقلية ما قبل الإصلاح الدستوري، وكأنهم فوق التوجيهات الملكية، وفوق منطق التداول الديمقراطي.
هذا التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي للدولة والممارسة الحزبية الواقعية يكشف عمق الفجوة بين القول والفعل، ويؤكد أن الخلل بنيوي ونفسي وأخلاقي قبل أن يكون تنظيمياً أو هيكلياً.
فالأزمة لا تكمن في النصوص القانونية المنظّمة للأحزاب ، لأن القانون المغربي يتيح آليات الديمقراطية والتناوب ، بل في غياب الأخلاق السياسية التي تجعل من المنصب تكليفًا لا تشريفًا، ومن الحزب مدرسة للتناوب لا ساحة للاحتكار.
فحين تُعطَّل روح الدستور، ويُقصى الشباب، وتُهمَّش الكفاءات، تتحول الديمقراطية الحزبية إلى طقس انتخابي مغلق يُعيد إنتاج نفس الزعامات ونفس الخطابات بطريقة مؤلمة ومفصولة عن السياق الوطني والدولي الذي يفرض اليوم السرعة في الإصلاح والجرأة في التغيير ، وحين نكون أمام استمرار نفس الوجوه في قيادة الأحزاب، رغم طول المدة وتراجع الأداء، فإننا نساهم ونشارك في إنتاج ثقافة التمركز حول الذات، ونقضي على مبدأ التداول الذي يُعدّ من ركائز الحياة الديمقراطية السليمة ، بل يُفرغ الشعارات الإصلاحية من مضمونها، وننفر الشباب والكفاءات من الانخراط في السياسة، بعدما تحوّل الحزب لدى بعض القيادات إلى مأذونية شخصية و اسمية تُستغل مدى الحياة دون مقابل إنتاجي أو أخلاقي أو نضالي .
فهل نحتاج إلى قوانين جديدة؟ أم إلى ضمير سياسي حي يفهم ويستوعب ما هو المطلوب منه ارتباطا بالواجب الاخلاقي قبل النضالي ؟
ذ/ مصطفى يخلف
محامي بهيئة اكادير