
حتى في تفاصيل الشكل، بدت الانسجامات الرمزية واضحة بين اللون الأصفر الملكي الذي رافق الخطاب، والذي يعكس النور واليقظة والحزم، وبين الزمن المختصر الذي يجسد التركيز والدقة والانضباط.
لقد التقت الرمزية البصرية بـ البلاغة الزمنية لتجعل من الخطاب حدثًا دلاليًا متكامل الأبعاد، حيث لم يكن أي تفصيل فيه اعتباطيًا.
ففي سابقة رمزية لافتة، لم يتجاوز الخطاب الملكي في افتتاح الدورة البرلمانية لأكتوبر 2025 سبعة دقائق وسبعًا وخمسين ثانية، لكنه حمل من الرسائل الاجتماعية والسياسية ما يفوق ساعات من الكلام ، وهو ما يجعل من هذا الاختصار المدهش ليس مجرد تفصيل بروتوكولي، بل اختيارًا بلاغيًا مقصودًا يترجم بوضوح مرحلة جديدة من التدبير العمومي عنوانها العمل الميداني بدلا من الكلام العابر.
لقد جسّد الملك محمد السادس في زمن خطابه القصير دعوة صريحة إلى ترشيد الزمن السياسي، تمامًا كما يُطلب من الإدارة ترشيد الزمن الإداري ، فالمعنى الأعمق لهذا الاختصار هو أن المرحلة المقبلة لا تحتاج إلى زمن طويل من التشخيص، بل إلى تسريع وتيرة التنفيذ ، بدليل أن سبعة دقائق وسبعًا وخمسين ثانية كانت كافية لتأكيد أن العبرة ليست في طول الخطاب من حيث الزمن، بل في عمق القرارات، وأن المغرب يدخل زمن الفعل المسؤول لا زمن التبرير اللفظي.
الخطاب الملكي جاء مفعمًا بحمولة اجتماعية وأخلاقية عميقة اختُزلت في ثلاث رسائل أساسية وهي ربط المسؤولية بالمحاسبة و التنمية كمسؤولية جماعية ، بالإضافة إلى المرجعية الأخلاقية للعمل البرلماني والتي تجلّت في ختام الخطاب بالآية القرآنية:
“وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”
وهي توجيه أخلاقي صارم يربط العمل العمومي بالضمير قبل القانون.
أما الخلاصة المفيدة، فقد تم تسجيلها في سبعة دقائق وسبع وخمسين ثانية فقط، حين وضع الملك محمد السادس حدًّا لمرحلة الوصف، وفتح صفحة جديدة من زمن الإنجاز والمساءلة.
ولعل الرسالة الأبلغ جاءت في شكل مجازي عميق مفاده انه إذا كانت قيمة الذهب تُقاس بصفائه لا بوزنه، فإن قيمة الخطاب الملكي تُقاس بكثافته لا بطول زمن إلقائه.
الأستاذ مصطفى يخلف
محامٍ بهيئة أكادير
عضو جمعية عدالة