مجتمع جديد… والدولة القديمة؟

بقلم: رشيد رزق الله
جاء إحصاء 2024 ليهزّ الصورة النمطية عن المجتمع المغربي. لم تعد التحولات مقتصرة على الأرقام المجردة، بل تعدّتها إلى ما هو أعمق: تحول جذري في القيم والسلوك والتطلعات.
نحن اليوم أمام مغربٍ تُغادره الكثافة السكانية النشيطة شيئاً فشيئاً، ويستقبل شيخوخةً سريعة، وتراجعاً في الخصوبة، وانكماشاً في البنية الأسرية. لكن الأخطر من ذلك هو صعود جيل جديد لا يرى في “العيب” أو “الحشمة” أو “الوازع الديني” ضوابط حقيقية للسلوك، بل أصبح يؤمن بمنطق الكسب السريع، وتحقيق الذات الفردية، أياً كانت الوسيلة.
هذا الجيل، المُنشأ رقمياً، لا يُقيم وزناً لما تبقّى من سلط رمزية: الأسرة، المدرسة، المسجد. يعيش في فضاء مفتوح، يُقارن نفسه بنماذج عالمية، ويُطالب بحقه في الاستهلاك والترقي دون انتظار.
واللافت أن الدولة لم تُدرك بعد حجم هذا التحول. فهي ما زالت تُنتج قوانين تُعقّد شروط الزواج، بينما تُبسط في المقابل التعامل مع العلاقات غير المؤطرة. تُشدّد في العقود، وتُرخّي في الفعل. وهكذا، تفقد مؤسسة الزواج معناها الاجتماعي، بينما تتسرب نماذج جديدة من العيش بلا التزامات، تُكرّس قطيعة مع البنية الأسرية التقليدية.
في هذا السياق، لم تعد مفاهيم مثل “حكومة العار” قادرة على ضبط الأفراد. بل تحوّلت إلى مصطلحات تاريخية لا تُقنع فئات واسعة ترى في المجتمع سلطةً متأخرة، وفي الدولة حَكَماً غير منسجم مع ذاته.
أما السياسات العمومية، فهي تُخاطب مجتمعاً افتراضياً، وتُهمل الواقع المعقد الذي يُنتج شبابه اليوم خارج المدرسة، وخارج المسجد، وخارج الأسرة أحياناً.
فما العمل؟
نحن بحاجة إلى رؤية شجاعة تعترف بوجود مجتمع جديد بقيم جديدة، دون السقوط في التبسيط أو التهويل. رؤية تُعيد رسم العلاقة بين الدولة والمواطن، لا على أساس الضبط، بل على أساس الثقة والاعتراف. نحتاج إلى خطاب ديني وثقافي يُواكب التحول بدل مقاومته من خارج الزمن، وإلى قوانين تُيسّر الحياة لا تُعقّدها.
لقد انتهى زمن التردد. إما أن نُعيد الإمساك بخيط المعنى المشترك، أو نترك المجتمع ينقسم إلى جزر فردانية، يُؤطرها الخارج، وتُديرها المنصات، وتُهمّشها الدولة باسم “الاستقرار”.
