فنمجتمعمقال رأي

في حرية التعبير وأولاد إيزة

أعتقد أن السلسلة الرمضانية مثار الجدل، والتي تكرس التمثلات الاجتماعية عن ” رجل التعليم” تسائل حرية التعبير في الآن ذاته الذي تسائل القيمة الفنية للإنتاجات السنيمائية: فهل حلقة واحدة تكفي لإصدار الحكم على التمثلات التي خلعتها السلسلة على “رجل التعليم”؟ ماذا لو كان الأمر كذلك، فهل تكريس تمثلات عن مهنة أخرى كان سيثير نفس الجدل أو النقاش؟ أليس التنديد دعاية مضادة للسلسلة؟ ما حدود حرية التعبير؟ وهل القول بها في أفق هذا النقاش خلقٌ لطابوهات جديدة؟


كمقدمة أولى يمكن أن نقرر أن حرية التعبير هي الأساس الذي ينهض عليه الفن، ونقصد بحرية التعبير في حدها المتداول الوقوف عند الخطوط التي يرسمها القانون بوصفه الإطار العام الذي تنتظم فيه العلاقات الاجتماعية داخل الدولة. ويمكن على هذا الأساس قراءة الحلقة الأولى التي أذيعت من السلسلة موضوع النقاش على أنها ترفع واقع “رجل التعليم” كما هو ماثل في المتخيل العام، فهو من زاوية يعيش من خلال مهنته يعيش وضعية قانونية، ووضعا ماديا كشفته الإضرابات الأخيرة التي خاضها “رجال التعليم” من أجل تحسين وضعيتهم، ومن زاوية أخرى يمثُل بوصفه موظفا يقع تحت ضغط مفارقة تمثلات المجتمع و تمثلاته عن نفسه؛ وهذا يبرز جليا في شخصية السلسلة على المستوى النفسي.


وعلى رغم الصورة التي عكستها السلسلة عنه، فإن إصدار الحكم من الحلقة الأولى يبدو تسرعا إلى حد ما، فلا يمكن الجزم بأن هناك قصدية قدحية تستهدف رجال هذه المهنة دونما قراءة عامة ومتفحصة، لذلك يبق الحكم معلقا والتنديد بلا معنى في كلتا الحالتين، ذلك لأن هذه السلسلة ليست هي الأولى التي يُتقمص فيها دور رجل التعليم. كذلك يمكننا أن نتساءل ما إذا كانت الشخصية ” علي” تتقمص دور “مهندس” مثلا، فهل كانت نقابة المهندسين ستصدر بيانا تنديديا إزاء هذا الأمر؟


يبدو أن النقد انحرف عن مساره الصحيح، بتقصده خلق طابوهات جديدة ومحرمات تقيد العمل الفني بغض النظر عن قيمته، وانحرف مرة أخرى عندما أوقف نفسه في حدود شخصية تتقمص دورا اجتماعيا عاديا دونما النظر في قيمة العمل الفني الذي تبدو متردية جدا من زاوية الرؤية الفنية التي تذهب إليها.


إجمالا الأعمال الفنية التي تعرض في التلفزيون تشتغل بمنطق الاستثمار في الحاجات والكبت الاجتماعي، أكثر من استثمارها في الأفق الفني الذي من شأنه أن يدفع إلى الرقي الاجتماعي والرفع من الذائقة الفنية للأفراد.

يونس الهديدي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى