رياضة

الإنجاز والاستمرارية ..بقلم يونس خراشي

لعل أكثر شيء كُتب عنه، ولقي الاهتمام، من قبل جانب كبير من إعلامنا الوطني، عقب عودة المنتخب المغربي لكرة القدم من قطر، حيث شارك في كأس العالم 2022، هو “وجبة بانون لأوناحي”، و”عرس أبوخلال”، وحادثة أوناحي”، و”طليقة أوناحي”، و”رقصة بوفال”، وأشياء من هذا القبيل، في حين بقيت الأمور الفنية، والتقنية، والتدبيرية، بعيدة، بنسبة كبيرة، عن الضوء والنقاش، ما عدا قضية التذاكر، والأسلوب الذي وزعت (أو بيعت) به.

ولأن الاحترافية، والمستويات الكبيرة، لا تأتي فرادى، بل يتعين أن يكون الإعلام أول شريك فيها، فقد كان المفترض أن ينجذب النقاش، عبر إعلامنا الوطني، إلى ما هو أهم، وهو كيف نضمن الاستمرارية لما تحقق في قطر، وهو غير مسبوق، ويستحق التنويه به، والبناء عليه، ليصبح قاعدة، ويتحول، عبر تثبيت لبناته، إلى ثقافة تمضي عليها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ومعها كل الفاعلين في المجال، وضمنهم الإعلام الوطني / الرياضي على الخصوص.

لا يصح اتهام الإعلام المغربي بأنه، بالجملة، خارج عن الطريق، ويمضي في مجاهل التفاهة، ولا يسهم، بأي شكل من الأشكال، في ما يتحقق من إنجازات. فالواقع يدحض هذا الكلام، والدليل على ذلك أن إعلامنا، في جانب مهم منه، كان حاضرا بقوة في مونديال قطر، وأشار إلى القضايا الأساسية في حينها، حتى وهو يذهب إلى هناك بعدد قليل، وبعتاد يسير، بعكس ما هو عليه الأمر بالنسبة إلى الإعلام في الدول العظمى، حيث تتجند الكتائب العددية بالعتاد، وهي تعرف أنها مقبلة على ماراثون صحفي شبيه تماما بذلك الذي سيقبل عليه اللاعبون.

المستقبل، وهو الأهم شئنا أم أبينا، يحتاج إلى إعلام مهني حقيقي، يحترم القواعد المهنية والقانونية والأخلاقية، يعي جيدا دوره أو أدواره في الإخبار والتثقيف والترفيه والتوجيه. وهذا الإعلام يحتاج أولا وقبل كل شيء إلى فهم من قبل الفاعلين في القطاع الرياضي، الذين لا يفتحون له الأبواب، ثم يتبرمون مما يقع من تجاوزات البعض، مع أن هذا البعض بالذات يجد كل الأبواب مفتوحة، والهواتف أيضا، وهلم شرا.

إن ما وقع، ويقع، وقد يقع، من تجاوزات جانب من الإعلام الوطني، لا ينبغي أن يتبرأ منها المسؤولون في القطاع الرياضي وكأنها نزلت من السماء. بل إن أول خطوة نحو مستقبل مشرق، وجذاب، وإيجابي، يبدأ من الاعتراف بالمسؤولية، على قدرها، في ما وقع ويقع وقد يقع، لوضع اليد في اليد مع الشرفاء الخيرين، نحو بناء جسور ثقة، تقوم على الاحترام والتقدير المتبادلين، وتقبل النقد البناء، مهما بدا، في بعض الأحيان، قاسيا، والتعاضد لمصلحة الرياضة الوطنية، ولاسيما في المنافسات الخارجية.

تبقى الإشارة، في الأخير، إلى أن الجماهير المتلقية ليست كلها على وعي تام بوضعية الإعلام الوطني، وما تقتضيه الضوابط المهنية، وما يفرضه القانون، وما يمليه الواجب الأخلاقي، وهو ما يجعلها تلقي اللوم، باستمرار، على هذا الإعلام، وكأنه كتلة واحدة، ووسيلة واحدة، ونمط واحد، وانتماء واحد، ومفروض فيه أن يلبي كل الرغبات، حتى ولو لم تكن معقولة. وفي قضية التذاكر بقطر، مثلا، تموذج صارخ على ذلك. فأن يراد للإعلام أن يصبح سلطة اتهام، وتحقيق، وإدانة، ليس صحيحا. فيكفي أن يكون من حضروا في المونديال، أو بعضهم، اشار إلى المشكلة، وألقى عليها الضوء، وأسمع صوت المعنيين، من الجانبين، ليعتبر ذلك أداء للواجب. غير ذلك ليس سليما، إذ يدخل في إطار اختصاصات سلطات أخرى.

إننا، هنا والآن، بحاجة إلى نقاش متجدد، وعميق، وسليم، ومتزن، وعاقل، يستجلي ما حدث في مونديال قطر، ويبني عليه، للتدقيق، والتحليل، واستخلاص العبر، في أفق تقديم وجبات لذيذة وثرية للجماهير، في المقبل من الأيام والمنافسات؛ وهاهو الموندياليتو يقبل علينا في شهر فبراير، وبعده منافسات كأس إفريقيا، والألعاب الأولمبية، وبينهما كأس العالم للسيدات، فضلا عن منافسات وطنية وجهوية وعالمية لرياضات كثيرة، سيكون المنتخب فيها ممثلا للبلد، وأبناء البلد، وراية البلد، وسمعة البلد.

يقال في المثل الدارج:”اللي ضربتو يديه ما يبكي”. وديما مغرب.
الله الوطن الملك.
ولكم واسع النظر.

بقلم يونس خراشي 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى