يُعدّ النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية من أكثر الملفات التي استأثرت باهتمام الأمم المتحدة خلال العقود الأخيرة، بالنظر إلى تداخله بين الأبعاد القانونية والسياسية والإنسانية.
ومنذ أن قدّم المغرب سنة 2007 مبادرته القاضية بمنح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، تغيّر مسار المقاربة الدولية للنزاع، إذ تحوّل الخطاب الأممي من البحث عن “استفتاء تقليدي” إلى تشجيع الحل السياسي الواقعي والعملي.
يُعتبر المقترح المغربي للحكم الذاتي صيغة متقدمة لمبدأ تقرير المصير، إذ يتيح للسكان تدبير شؤونهم في إطار الدولة الأم بدل الانفصال عنها.
وقد تبنت الأمم المتحدة هذا المفهوم في عدة تجارب دولية، مثل جزر الأزور والكاناري في أوروبا وإقليم كردستان في الشرق الأوسط، مما يجعل من النموذج المغربي تجربة فريدة تُوازن بين حق تقرير المصير واحترام وحدة الدول، في انسجام تام مع ميثاق الأمم المتحدة ومعايير القانون الدولي الإنساني.
منذ سنة 2007، أشارت معظم قرارات مجلس الأمن إلى أن المبادرة المغربية جادة وذات مصداقية، بدءًا من القرار رقم 1754 وصولًا إلى القرار رقم 2756 الصادر في أكتوبر 2025، وهو ما يمثل تطورًا دبلوماسيًا أمميًا يعكس اقتناعًا متزايدًا لدى مجلس الأمن بأن الحكم الذاتي هو الحل الواقعي الوحيد.
وقد تم تعزيز هذا الاتجاه بدعم صريح من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة، ما منح المقترح المغربي قوة سياسية مضاعفة ومشروعية دولية متنامية.
كما تؤكد تقارير الأمين العام للأمم المتحدة ومداولات مجلس الأمن أن المقاربة السابقة القائمة على تنظيم “استفتاء لتقرير المصير” أضحت متجاوزة سياسيًا وتقنيًا، بسبب تعذر تطبيقها ميدانيًا واستحالة الاتفاق على لوائح الناخبين.
في المقابل، تميل الأمم المتحدة اليوم إلى حل سياسي تفاوضي واقعي يستند إلى المقترح المغربي كمرجعية أساسية لتحقيق تسوية دائمة ومتوافق عليها.
ويرى العديد من المراقبين أن هذا التحول يمثل انتصارًا للدبلوماسية المغربية الهادئة، ولنهج الواقعية الذي جمع بين الشرعية التاريخية والمشروعية الأممية.
وجدير بالذكر أن مجلس الأمن سبق له أن اعتمد بالإجماع القرار رقم 2756 بتاريخ أكتوبر 2025، الذي جدد ولاية بعثة الأمم المتحدة (MINURSO) لمدة إضافية،
وقد تضمّن القرار إشارات سياسية واضحة تؤكد أن المجلس يعتبر الحكم الذاتي المغربي مبادرة جدية وواقعية وذات مصداقية، مبرزًا أهميته في تحقيق حل سياسي دائم ومتوافق عليه.
واللافت في هذا القرار أن عبارات “الاستفتاء” و“الاستقلال” اختفت تقريبًا من النصوص الأممية الأخيرة، وهو ما يعكس تحولًا جوهريًا في الرؤية الأممية نحو منطق الحل العملي الواقعي.
مصطفى يخلف
محامي بهيئة اكادير
عضو جمعية عدالة
