في زمن ازدادت فيه الهجمات الإعلامية الموجهة نحو المغرب، برزت فطنة الوزير مصطفى بايتاس كصوت عقلاني وحكيم، مدافع عن صورة بلده، ومُدرك لخطورة ما تُحاك من حملات تستهدف استقرار الوطن ووحدته. فالمتتبع للخرجة الإعلامية الأخيرة للوزير على قناة العربية يلحظ أن الرجل لم يكن في موقع الدفاع المرتبك، بل في موقع الهجوم المتزن، الواعي بما يدور في الكواليس الإعلامية التي تُموَّل من البيترودولار.
قنوات البترودولار، كما يعرفها الجميع، تساهم في تفكيك الصفوف وتأجيج الصراعات عبر التركيز على الخلافات الرمزية والعاطفية بدلاً من مناقشة الحلول الواقعية، مما يؤدي إلى استنزاف الطاقات في معارك وهمية وتأجيج العداءات. جميل جدا الانفتاح على الإعلام الخارجي، لكن فقناة العربية أو غالبية إعلام البيترودولار همهم الوحيد هو إذكاء الفتن في المجتمعات، ومحاولة زرع الشك في مؤسساتها.
تاريخ تعامل قناة العربية مع المملكة المغربية فيه ما فيه، ففي شهر فبراير 2019 استدعى المغرب سفيره في الرياض، بعد بث القناة فيلماً عن الصحراء المغربية، وهو ما أعطى مؤشراً على اشتعال أزمة دبلوماسية حينها. وقال السفير المغربي لدى السعودية، السيد مصطفى المنصوري: “غادرت الرياض إلى الرباط بعد استدعائي، وذلك قصد التشاور بشأن العلاقات مع السعودية”، واصفاً الأمر بـ”سحابة عابرة”. غير أن هذه الحادثة كشفت مبكراً عن ملامح التوتر الكامن خلف بعض التغطيات الإعلامية التي تتناول المغرب وقضاياه الحيوية.
ما يتعرض له المغرب اليوم من حملات إعلامية متزامنة ليس صدفة، بل خطة ممنهجة هدفها ضرب الاستقرار والطعن في رموز الدولة. هذه الحملات، التي تلبس ثوب “التحليل السياسي” و”حرية التعبير”، لا تعدو أن تكون أدوات ناعمة لخدمة أجندات معروفة، تستهدف البلدان المستقرة التي تمتلك مشروعاً وطنياً واضحاً ومستقلاً.
لكن هذه المرة، الوزير بايتاس كان سداً منيعاً. في مقابلته مع قناة العربية، “جرّ الفران للمذيعة ونقص لها من السرعة”، حين حاولت جرّ الحوار نحو الصورة السلبية، فنبّهها بلطفٍ وصرامة في الآن ذاته إلى أن المغرب لا يُقدَّم من زاوية التشويه، بل من موقع القوة والسيادة. بيّن لها أن المملكة لها من المناعة ما يكفي لتقبل أي احتجاجات كيفما كانت، في إطار النظام والقانون، دون أن يمسّ ذلك استقرارها أو مؤسساتها.
أظهر الوزير مصطفى بايتاس في خرجته الإعلامية على قناة العربية أنه ذو حس سياسي وتواصلي كبير. قد لا يتفق البعض داخل المغرب مع أسلوبه، وهذا أمر طبيعي في مرحلة دقيقة من الصراع السياسي والتدافع الديمقراطي، لكن الثابت أن الرجل كان يمثل بلده بلباقة وجرأة تحسب له. بايتاس ليس فقط متحدثاً باسم الحكومة، بل أصبح في هذه اللحظة واجهة لبلدٍ يُهاجم من الخارج، ومدافعاً عن صورته بذكاء وهدوء.
لقد قدّم نموذجاً في التواصل السياسي الخارجي، يزاوج بين الكياسة والصرامة، وبين الوطنية والانفتاح، فأعطى درسا في كيف يكون الحوار مع الإعلام الأجنبي دون انفعال أو خضوع. ولا شك أن الإعلام المغربي المستقل سجل له هذه النقطة الإيجابية، تقديراً لموقف رجلٍ وطنيٍّ كبير، متمتع بالولاء والانتماء لبلده.
في النهاية، يمكن القول إن مصطفى بايتاس لم يكن مجرد ضيفٍ في برنامج تلفزيوني، بل كان ممثلاً لروح وطنٍ يعرف متى يتحدث ومتى يصمت، وكيف يواجه “الفتن الإعلامية” التي تتقن بعض القنوات إشعالها، لكنها تفشل في إحراق جذع شجرةٍ اسمها المغرب.
بقلم: براهيم بوليد